% من أهالي محافظة بيت لحم يأكلون اللحوم... ورغم ارتفاع أسعار اللحوم وسائر المواد الأساسية وتقاعس الحكومة عن دعمها فان الناس لا تستغني عن اللحمة.
الخرفان والجديان الحمراء المعلقة على بوابات محلات بيع اللحوم تغري المشتري الميسور وتقهر الفقير الجائع.
أما محلات الشاورما والمشاوي فان رائحة الشوي تجلب المارة والزبائن ولا تترك مجالاً لهم في التدقيق في طبيعة هذه اللحمة المفرومة المعجونة والمبهرة ان كانت قادمة من بقايا اللحوم أم من عجل كبير هرم أم من خروف مريض تم ذبحه في اللحظات الأخيرة.
ولأن ثقافتنا الاجتماعية العشائرية والعائلية تتأصل فيها عادة موروثة هي (العزومة) فان المنسف أو القدرة عنوانان رئيسيان للعزائم واستقبال الضيوف وإبراز الشهامة والكرم المتأصلان في العرب عموماً والفلسطينيون على وجه التحديد.
كل ما مرّ ليس هذا المهم حتى الآن بل المهم هو أنني أدعو سكان محافظة بيت لحم إلى الامتناع عن أكل اللحوم لمدة 6 شهور ولن يحدث شيء خارق أو مصيبة لو فعلنا ذلك وتحولنا إلى نباتيين نعيد الكرامة والهيبة للسبانخ والسلك والعدس والفاصوليا والخبيزا والفول واللوبيا وغيرها من الخضروات.
السبب في هذه الدعوة التي قد تبدو غريبة هو عدم وجود مسلخ قانوني ورسمي في محافظة بيت لحم منذ سنوات عديدة بعد أن هدم المسلخ القديم بسبب حالته الرثة صحياً وضيق مساحته وقلة نظافته وأصبحت بيت لحم المحافظة الوحيدة في فلسطين بدون مسلخ.
صار لكل تاجر لحوم مسلخ خاص في بيته أو عند جاره أو في مكان لا يعرفه أحد، وأصبح ذبح اللحوم يعتمد على ضمير اللحام، وشراء اللحمة يعتمد على الثقة بين المواطن والتاجر...
لا أدري لماذا سكت الناس طوال هذه الفترة... ألم يسألوا كيف ذبحت هذه المواشي من أين جاءت، ماذا تأكل، ما هي أحوالها الصحية، هل المكان التي ذبحت فيه نظيفاً له مواصفات صحية أم لا...
ألم يسأل أحد نفسه من يشرف على ذبح المواشي... لا وزارة الصحة ولا البلدية ولا مراقب إداري وقانوني إطلاقا.
لماذا لم تفكر البلدية في بناء مسلخ حديث ومحترم له مواصفات علمية وصحية وذو شروط رقابية حتى يطمئن الناس على ما يأكلون دون خوف أو وجل...
التاجر اللحام هو سيد الموقف كله... يطعمنا ما تشاء يداه... ربما تشتري لحمة لماعزٍ مريض فلا تدري وربما تشتري لحمة لماعزٍ مصاب بداء خطير فلا تدري وربما تشتري لحمة ماعز لم يذبح بشكل شرعي وقانوني فلا تدري...
ربما تشتري لحمة لمواشي مهربة من إسرائيل والمستوطنات مثلما حدث عندنا كثيراً ولا تدري...
يقول خبراء الصحة ان تصاعد الأمراض الخبيثة لدى الناس سببه الرئيسي هو طبيعة الغذاء الذي فقد الحماية والعناية الرسمية في ظل استخدام الكيماويات وغيرها من المواد المسمنة والنافخة بهدف الربح السريع.
بعد هدم المسلخ لم يقلق أحد، لا بلدية ولا محافظة ولا تشريعي ولا سلطة بيئة ولا أجهزة أمن ولا حكومة ولا صحافة...
حتى نفايات اللحوم بعد الذبح والسلخ والتجفيف أين تذهب، أين يلقيها اللحامون حتى لا تسبب مكارة صحية...
ان قانون الصحة العامة التي أقره المجلس التشريعي الفلسطيني رقم 20 لسنة 2004 واضح جداً في مواده التي دعت إلى وضع الأنظمة واللوائح الخاصة لسلامة الغذاء وترخيص الأعمال والحرف والصناعات الغذائية وأماكن بيعها ومراقبتها...
ودعا القانون إلى وضع آليات للتفتيش المتواصل على أماكن بيع الأغذية من قبل الوزارات المعنية.
لا أعتقد أن محافظة جميلة وهامة كبيت لحم، يرتادها السياح والرؤساء والمسؤولون والوفود والشخصيات الدولية تستحق أن تحرم من بناء مسلخ كحد أدنى حتى لا توضع على موائد الضيوف والزوار لحوم مشبوهة مجهولة الاسم والعنوان ومكان الذبح وطبيعة اليد التي ذبحت وسلخت وشويت...
تستطيع بلدية بيت لحم وبالتعاون مع وزارة الصحة وحتى مع تجار اللحوم أن يبنوا مسلخاً حديثاً يسر الناظرين على أي قطعة أرض حكومية ان وجدت الإرادة والدافع والقرار لذلك...